مسائل متعلقة بأحكام الصيام

أبدأ – مستعينًا بالله تعالى – نشر مسائل متعلقة بأحكام الصيام، سائلًا الله تعالى أن ينفع بها.

المسألة (1):
الصيام لغةً: الإمساك مطلقًا، وشرعًا: إمساكٌ عن مُفَطرٍ بشروطِهِ الآتيةِ.
وَفُرِضَ في شعبانَ في السَّنةِ الثَّانيةِ مِنَ الهِجْرَةِ، وصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، كلها نواقص إلا سنة واحدة، على المعتمد، قال في التحفة (3/ 587): (وينقص ويكملُ وثوابهما واحد، كما لا يخفى، ومحلُّه – كما هو ظاهرٌ – في الفضل المترتب على رمضان، من غير نظرٍ لأيامه، أما ما يترتب على يوم الثلاثين، من ثواب واجبه، ومندوبه عند سحوره وفطره فهو زيادةٌ يفوق [الكاملُ] فيها الناقص) اهـ.
وهو أفضل الأشهر حتى من عشر ذي الحجةِ، إلا أنَّ يوم عرفة أفضلُ أيام السنة.
وهو أحدُ أركان الإسلام، دلَّ على وجوبه قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)، وقوله: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، وأحاديث منها: (بُني الإسلام على خمسٍ، وذكر منها الصيام)، وإجماع المسلمين.
وهو من المعلوم من الدين بالضرورة، فيكفر جاحده.
تتمة: لا يُكرهُ ذكر رمضان بلا شهرٍ، وهو كذلك؛ لوروده في أحاديث كثيرة.

***

المسألة (2):

يثبت رمضان إما:
أ‌- ثبوتًا عامًا، في صورتين:
• روية عدلٍ شهادةٍ الهلال.
• إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا؛ للحديث: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يومًا)، أخرجه البخاري.
ب‌- أو ثبوتًا خاصًا، بأمور منها:
• رؤية الهلال في حقِّ من رآه كعبدٍ أو امرأةٍ أو فاسق.
• إخبار نحو صبيٍّ أو فاسقٍ إن وقع في القلب صدقهم.
• إخبار عدل روايةٍ، سواء وقع في القلب صدقه أم لا.
تتمةٌ: عدل الشهادةِ، وهو: البالغُ، العاقلُ، الحرُّ، الذكرُ، فلا يثبت الثبوت العام برؤية، صبيٍّ، ولا مجنونٍ، ولا عبدٍ، ولا امرأةٍ، ولا فاسقٍ، ولا كافرٍ، وعدلُ الرواية من جمع الشروط السابقة إلا الحرية والذكورة.

***

المسألة (3):
معنى الثبوت العام: أنَّه يجب الصوم على من كان في بلد الرؤية، وفي كل بلد يتحد معه في المطلع.
ولا بدَّ لثبوت الهلال الثبوت العام بعدل شهادةٍ من أمرين:
1- أن يشهد برؤيته عند القاضي، والمعتبر هو رؤية الهلال بعد الغروب لا قبله، ولا يكلف الشاهد ذكر صفة الهلال ولا مكان رؤيته.
2- أن يؤدي الشهادة بلفظ (أشهدُ)، نحو: (أشهد أني رأيتُ الهلالَ)، لا بلفظ: (أخبرُ) أو (أقـــرُّ).
ولا يكفي قولُ الشاهدِ: “أشهدُ أنَّ غدًا من رمضانَ”؛ لأنَّه قد يعتقد دخوله بسبب لا يوافقه عليه المشهودُ عنده، كأن يكون أخذه من الحساب.
وَلَو رَجَعَ الشَّاهدُ العدل بعدَ شروعِهِم في الصُّوم: لمْ يجُزْ لهم الفِطرُ، وكذلك لو رجع الحاكم بعد الحكم بثبوته.

***

المسألة (4):
إذا ثَبَتَ رؤيتُهُ ببلدٍ لَزِمَ حكم ثبوت رؤية الهلال البلدَ القريبَ دونَ البعيد.
ويثبتُ البُعدُ باختلافِ المطالعِ عَلَى الأصحِّ، و يثبت القربُ باتحادها.
والمراد باتحادها: أن يكون غروب الشمس وطلوعها في المحلين في وقتٍ واحدٍ.
ومقابل الأصح: أنَّ البُعدَ يقدَّرُ بمسافةِ القصر.
وأشار إلى الخلاف العلامةُ ابنُ رسلان رحمه الله بقوله:
يجب صوم رمضان بأحدْ.. أمرين: باستكمال شعبان العددْ
أو رؤيةِ العدلِ هلالَ الشهرِ.. في حقِّ من دون مسير القصرِ.
هذا الذي أشار إليه الرافعيْ.. والنوويُ اختار بالمطالعِ
والمراد: مسافة القصر من محلِّ الرؤية، فلا يجب الصوم على من بعُدَ عنها.
وعلى المعتمد – وهو: الاعتبار باتحاد المطلع – لو رؤي الهلالُ في زبيدٍ لَزِمَ الصومُ أهل مكةَ وجدة وعدن وصنعاء؛ لاتحاد مطلعهم، وإذا رؤي في كوالالمبور لَزِمَ أهل سنغاورا الصومَ دون أهل جاكرتا لاختلاف مطلعهم، قال في التحفة (3/601): (والشك في اختلافها كتحققه؛ لأنَّ الأصل عدمُ الوجوبِ) اهـ
تتمةٌ: في بلغة الطلاب في تلخيص فتاوى مشايخي الأنجاب للشيخ طيفور علي وفا (ص222): (وقد حرر العلامةُ عبد الله بن عمر بامخرمة قاعدة في ذلك – أي: اتحاد المطلع واختلافه – وهي: أنه إذا كان تفاوت الغروب في موضعينِ ثماني درجاتٍ فأقلَّ فهما متفقان في المطلع، وإلا بأن كان أكثر ولو في بعض فصول السنة فمختلفان، والدرجة الواحدة أربع دقائق) اهـ

***

المسألة (5):

مسألة مُهمَّةٌ:
إذا سافر من بلدٍ رُؤي فيه الهلال يوم الجمعة إلى بلدٍ رُؤي فيه يوم السبتِ، فلهُ حكمُ البلدِ الذي سافر إليه، فإن صاموا تسعة وعشـرين يومًا كان له ثلاثون، وإن صاموا ثلاثين يومًا كان له واحدٌ وثلاثون.
وعبارة التحفة مع المنهاج (3/603): (فالأصح: أنَّه يوافقهم في الصوم آخِرًا، وإن أتمَّ ثلاثين؛ لأنَّه بالانتقال صار مثلهم، وانتصر الأذرعي للمقابل؛ بأنَّ تكليفه صومَ أحدٍ وثلاثين بلا توقيفٍ [أي: بلا نصٍ من الشارع]، لا معنى له) اهـ
وإذا سافر من بلدٍ رُؤي فيه الهلال يوم السبتِ إلى بلد رؤي فيه يوم الجمعةِ، فلهُ حكم البلدِ الذي سافر إليه أيضًا، فإن صاموا ثلاثين كان له تسعة وعشرون فلا يلزمه شيءٌ، وإن صاموا تسعةً وعشـرين كان له ثمانية وعشرين، فعليه قضاءُ يومٍ.

***

المسألة (6):

شروط صحة الصحة الصوم أربعة:
1- الإسلام، فلا يصح الصوم من كافرٍ.
2- العقل، فلا يصح الصوم من مجنون.
3- النقاء من الحيض والنفاس، فلا يصح الصوم من حائضٍ ولا نفساء.
4- كون الوقت قابلًا للصوم، بأن لم يكن من الأيام التي يحرم صومها، كيومي العيد.


وشروط وجوب الصوم ستة:

  1. الإسلام، فلا يجب الصوم على الكافر الأصلي.
  2. البلوغ، فلا يجب الصوم على الصبيٍّ، لكنَّه يؤمر به إذا أتمَّ سبع سنين وأطاقه، ويضرب عليه إذا أتمَّ عشر سنين وأطاقه.
  3. العقل، فلا يجبُ الصوم على المجنون.
  4. القدرة على الصوم، وهذا يشمل القدرة الحسيَّة والشـرعية، فلا يجب الصوم على من لا يطيقه حسًا لكِبَرٍ أو مرض لا يرجى برؤه، كما لا يجبُ على من لا يطيقه شرعًا لحيضٍ أو نفاسٍ.
    ومن شروط الوجوب أيضًا:
  5. الصحة، فلا يجب الصوم على المريض مرضًا يبيح التيمم، بأن يخاف لو صام على نفسه أو عضوه أو منفعة عضوه أو طول مدة المرض أو زيادته، وسواء كان المرضُ واقعًا أو متوقعًا.
  6. الإقامة، فلا يجب الصوم على المسافر بثلاثة شروط:
    • كون السفر طويلًا.
    • كونه مباحًا (أي: مشروعًا).
    • أن يسافر قبل الفجر، أي: أن يجاوز بنيان بلدته قبله.
    وستأتي تفاصيل هذه الأحكام.

***

المسألة (7):

أركان الصيام ثلاثة:
• النية، بالقلبِ، ولا يُشترطُ التَّلفظُ بها، بلْ يُنْدَب؛ ليساعدَ اللسانُ القلبَ، كما قاله فقهاء الشافعيةِ، لكلِّ يوم؛ لأنَّ صوم كلِّ يومٍ عبادةٌ مستقلةٌ، فَلَو نَوَى أَولَ ليلةِ رمضانَ صَومَ جميعِهِ: لَمْ يكفِ لغيرِ اليومِ الأولِ.
• ترك المفطرات، الآتي بيانها.
• الصائم: وعدَّ جماعةٌ من فقهاء الشافعية رحمهم الله تعالى الصائم ركنًا، ولم يعدوا المصلي ركنًا في الصلاة؛ لأنَّ الصوم أمرٌ عدميٌّ لا وجود له في الخارج [أي: لا صورة له في الخارج].
تتمةٌ: مذهب المالكية: أنَّ النية تكفي في أول ليلةٍ لكلِّ صومٍ يجب تتابعُهُ، فإن انقطع لعذرٍ – كحائضٍ – وجب تجديدها، ويندب تجديدها لكلِّ ليلة عندهم.
قال العلامة ابن حجر في التحفة: (ينبغي نية صوم جميع الشهر أول ليلة من رمضان تقليدًا للإمام مالك رحمه الله تعالى؛ ليَحصلَ لَهُ صومُ اليومِ الذي نَسِيَ النيةَ فيهِ عندَهُ) انتهى.

***

المسألة (8):
يشترط في نية صوم الفرض سواء رمضان، أو نذر، أو كفارة أمران:
1️⃣ التبييت، إيقاع النية ليلا، أي: فيما غروب الشمس وطلوع الفجر، ولو في صوم الصب المميز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل).
والنفي (لا صيام) للصحة؛ لأنه الأصل، فمن لم يبيت النية ليلا في رمضان لم يقع صومُهُ فرضا ولا نفلا، ولو كان جاهلا.
ولو شك هل وقعت نيتُهُ قبل الفجر أو بعده؟ لم تصح؛ لأن الأصل عدم وقوعها ليلا.
ولا يُبطل النيةَ نحو أكل أو جماع مما ينافي الصوم بعدها وقبل الفجر، نعم لو قطعها قبله احتاج لتجديدها قطعا.
2️⃣ التعيين للمنوي في الفرض، كرمضان، أو نذر، أو كفارة، بأن ينوي كل ليلة أنه صائم غدا عن رمضان، أو نذر، أو كفارة.
والمراد: تعيين الجنس لا النوع من كفارة ظهار أو يمين، ونذر تبرر أو لجاج، فلا يشترط ذلك.

***

المسألة (9):

نية صوم النفل:
⬅️ نية صوم النفل تصح من النهار قبل
الزوال؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، فقال: (هل عندكم شيءٌ؟)، قلنا: لا، قال: (فإني إذا صائمٌ)، ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: أُهدي لنا حيسٌ [وهو: تمر يُنزع منع نواه ويُدَّقُ مع أقطٍ ويعجنان بالسمن]، فقال: (أرينيه، فلقد أصبحتُ صائمًا)، فأكل، أخرجه مسلمٌ، وفي بعض الروايات: (هل عندكم من غداء؟)، والغداء: اسم لما يؤكل في الغداة قبل الزوال.
⬅️ ولا يجب فيها التعيين على المعتمد، فيصح ولو بنيةٍ مطلقةٍ حتى في الأيام الفاضلة كعرفة وعاشوراء، والمراد: من حيث سقوط الطلب، لا من حيث حصول الثواب الخاص، فمثلًا: لو يوم في يوم عرفة غير ملاحِظٍ أنَّه صوم عرفة، صحَّ صومه، وسقط عنه طلب صوم عرفة، وحصل على ثواب النفل المطلق، أما الثواب المترتب على صوم عرفة الذي وعد به الشارع فلا يحصل إلا بالتعيين، أي: بنية كونه صومه ليوم عرفة، الترمسي (5/527).
⬅️ولا يشترط فيها قصد النفلية.
🟢 تتمةٌ: قال العلامة ابن حجر رحمه الله في المنهاج القويم شرح مسائل التعليم:
(لا بدَّ من اجتماع شرائط الصوم من الفجر، للحكم عليه بأنَّه صائمٌ من أول النهار، حتى يثاب على جميعِهِ؛ لأنَّ الصَّومَ لا يتبعضُ) اهـ

***

المسألة (10):

أقلُّ النية وأكملُها:
🟢أقلُّ النِّيةِ المُجزئةِ بناءً على ما تقدَّمَ من اشتراط: التبييت، وتعيين الجنس دون غيرهما: “نَويتُ صَومَ رَمَضَانَ”، وَلَو بِدُونِ: الفرض، أو غدٍ.
🟢وأكملُها: “نَويتُ صَومَ غَدٍ عن أَداءِ فَرضِ رَمَضَانِ هَذِهِ السَّنَةِ للهِ تَعَالى”؛ لصحةِ النيَّةِ حينئذٍ اتفاقًا.
⬅️فخرج بقيد (الأداء) القضاء.
⬅️وبقيد (فرض) النفل.
⬅️وبقيد (رمضان) فرضٌ آخرُ ككفارةٍ.
⬅️وبقيد (هذه السنة) سنةٌ أخرى.
ويُندب التلفظ بها.
قال في بشرى الكريم (٢/٤٠٥): (وأن ينوي [أي: ندبًا] الصوم عند إفطاره، خوف أن ينسي النية بعدُ، وأن يعيدها بعد تسحره؛ للخلاف في صحتها أوله، وفيما لو تعاطى مفطرا ليلا بعدها) انتهى.

***

المسألة (11):
⬅️ يجب الإمساك عن الأكل والشـرب، والضابط عند فقهاء الشافعية رحمهم الله تعالى هو أنَّ: (كلُّ عين وصلت إلى الجوف من منفذٍ مفتوح تفسد الصيام).
والعين: تشمل ما يؤكل عادةً وما لا يؤكل، فتفسدُ الصيام وإن قلَّت، وَخَرَجَ بـ “العينِ”: الأَثرُ، كَوصولِ الطَّعمِ بالذَّوقِ إلى حلقِهِ.
🟢 [الطَّعم بفتح الطاء ما يؤديه الذوق، والطُّعم بضمها: الطعام، فوصول الأول إلى الجوف لا يُفسد الصوم، أما الدخان فيفطر به إذا انفصلت منه عينٌ إلى الجوف].
والجوف هو: البطن، والدماغ، وباطن الأذن، والدبر، والقُبُل، أي: سواء كان فيه قوة إحالة أم لا على المعتمد، وخرج به ما يصل إلى نحو لحم الساق فلا يفطر به.
والمنفذ المفتوح: أي عرفًا أو فتحًا يُدرَك، وخرج به ما يصل عبر مسام الجلد، فلا يفسد الصوم.
وبناءً على هذا الضابط ينبني كلام فقهاء الشافعية رحمهم الله تعالى وموقفهم المستجدات المتعلقة بالإفطار.
🟢 تتمةٌ: قال العلامة ابنُ حجر في التحفة (3/627): (وكذا يفطرُ بإدخالِ أدنى جزءٍ من إصبعه في دبره أو قبلها، بأن يجاوز ما يجب غسله في الاستنجاء) اهـ

***

المسألة (12):

ابتلاع الصائم للريق:
يفطر به الصائم في صور، ولا يفطر به في صور:
🟢لا يفطر الصائم ببلع ريقه ما دام في معدنه، حتى ولو جمعه فابتلعه لم يفطر على الأصح.
🟢ولو أخرج لسانه وعليه الريق ثم رده وابتلع ما عليه فإنه لا يفطر أيضًا على المعتمد.
🟢ويفطر إذا ابتلع ريقه المتنجس بنحو دم لثته وإن صفا، ولم يبق فيه أثرٌ للدم.
🟢 ويفطر إذا ابتلع ريقه، وهو مختلط بعينٍ انفصلت من طاهرٍ.
🟢ويفطر إذا أخرج ريقه إلى ظاهر الشفة ثم رده وابتلعه.
🟢 ويفطر إذا بلَّ خيطًا أو سواكًا بريقه وردَّه إلى فمه وعليه رطوبة تنفصل، بخلافِ مَا لَو لَم يكنْ عَلَى الخيطِ أو السواك ما ينفصلُ لقلتِهِ أَو لعصرِهِ أو لجفافِهِ فإنَّهُ لا يضرُّ
🟢تتمةٌ: يُعفَى عمَّن ابتُليَ بدَمٍ لثتِهِ بحيثُ لا يمكنُهُ الاحترازُ عنهُ.

***

المسألة (13):
لَو بَقِيَ طَعَامٌ بينَ أَسْنَانِ الصائم فَجَرَى بِهِ ريقُهُ إلى جوفه:
1️⃣بطبعِهِ لا باختيار الصائم وفعله.
2️⃣إِنْ عَجَزَ عَن تمييزِ الطعام عن الريق وَمجِّهِ.
فلا يفطر بذلك، وإِنْ تَرَكَ التَّخللَ – وهو: تنظيف ما بين الأسنان بنحو عودٍ – لَيلًا، ويتأكدُ التَّخللُ بعدَ التَّسحرِ.
أمَّا إِذَا لَم يعجزْ عن تمييزه ومجه، أَو ابتلعَهُ ما بقي من طعامٍ بين أسنانِهِ قَصْدًا فإنَّهُ مُفْطرٌ جَزْمًا.
ولا يَجِبُ غسلُ الفَمِ ممَّا أَكَلَ ليلًا، لكن يُندب.

***

المسألة (14):
سبق الماء إلى الجوف:
قال العلامة الكردي رحمه الله تعالى في حاشيته على المنهج القويم:
ينقسم سبق الماء إلى جوفه بذلك ثلاثة أقسام:
🟢 [أولها] يفطر به مطلقًا بالغ أم لا فيما إذا سبق في غير مطلوبٍ كالرابعةِ وكانغماسه في الماء لكراهتِهِ للصائم، ولغسل تبردٍ أو تنظف.
🟢ثانيها: يفطر إن بالغ، وذلك في نحو المضمضة المطلوبة في نحو الوضوء المطلوب.
🟢ثالثها: لا يفطر مطلقًا، وإن بالغ، وذلك عند تنجس الفم؛ لوجوبِ المبالغة حينئذٍ على الصائم كغيره؛ ليغسل كل ما في حدَّ الظاهر.
وضابط المبالغةِ: أن يكون بحيث يسبقُ غالبًا إلى الجوف.
🟢تتمة: لو اغتسلَ مُنْغَمِسًا فَسَبَقَ الماءُ إلى باطنِ الأذنِ أَو الأنفِ فإنَّهُ يُفْطِرُ وَلَو في الغَسلِ الوَاجبِ؛ لكراهةِ الانغماسِ للصائم كما مرَّ.

***

المسألة (15):

الاستقاءة للصائم.
🟢يفطر الصائم إذا تعمد إخراج القيء، حتى ولو تيقن أنّه لم يرجع شيءٌ إلى جوفه – كأن تقيّأ منكسًا – لأنَّ تعمدَ إخراجِهِ مفطرٌ بنفسه.
🟢وأما من ذرعه القيء – أي: غلبه بأن خرج بغير اختياره – فلا يفسد صومه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء –غلبه– وهو صائم، فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقضِ) أخرجه أبو داود، وقال النووي: (حسن بمجموع طرقه).
والمراد: إذا غَلَبَهُ وَلَم يَعُدْ منهُ أَو مِن ريقِهِ المتنجسِ بِهِ شيءٌ إِلى جوفِهِ بعدَ وُصولِهِ لِحدِّ الظَّاهرِ، أَو عَادَ بعد وصوله إلى حدِّ الظاهرِ بغيرِ اختيارِهِ، فَلَا يَفطرُ بِهِ.
🟢وحدُّ الظاهر هو: مخرج الحاء.
🟢قال الترمسي في حاشيته (5/547): (لو احتاج المريض إلى التقيؤ لأجل التداوي بقول طبيب أفطر) أي: وعليه القضاء.
🟢وحكم القَلَس حكم القيء، قال النووي: (هو بفتح القاف واللام وبالسين المهملة، يقال: قلس يقلس بكسر اللام، أي: تقيأ، والقلْس بإسكان اللام القيء، وقيل: هو ما خرج من الجوف ولم يملأ الفم قاله الخليل بن أحمد) اهـ

***

المسألة (16):
النخامة ودخول الذباب أثناء الصوم:
🟢النخامةُ – ويقال لها: النخاعة – هي: فضلةٌ غليظةٌ تنزل من الدماغ أو تصعد من الباطن.
🟢وحكمها: أنه لا يفطر بها الصائم إذا وصلت إلى حدِّ الظاهر – وهو مخرج الحاء كما مرَّ – ولفظها.
🟢أمَّا لَو ابتلعَهَا مَعَ القدرةِ عَلَى لَفظِهَا بعدَ وصولِهَا لحَدِّ الظَّاهرِ فيفطرُ بها؛ إلا إذا كان جاهلًا معذورًا أو ناسيًا فلا يفطر بذلك.
🟢وإذا ابتلعها مع عدم القدرة على لفظها لم يفطر، كأن نزلت من الدماغ إلى الباطن.
🟢وَلَو دَخَلَت ذُبابةٌ أو نحوها إلى جوفهُ أَفْطرَ بإخراجِهَا مُطلقًا – أي: سواء ضرَّه بقاؤها أم لا – وَجَازَ لَهُ إخراجها إِنْ ضَرَّهُ بقاؤُهَا مَعَ القَضَاءِ، كَمَا أَفتى بِهِ العلامةُ ابن حجر.
أما لو تركها فلا يضرُ ذلك صومَهُ.

***

المسألة (17):

مسحة الأنف التي تُعمَل للفحص من كورونا تتجاوز منتهى الخيشوم بإفادة عددٍ من الأطباء، وعليه: فإنها تفسد الصوم على المذهب الشافعي.

قال العلامة ابن حجر في المنهج القويم: (مَا وراء الخيشومِ – وَهُو أَقصى الأنف – جوفٌ) اهـ، والعين إذا وصلت إلى الجوف من منفذ مفتوح أفسدت الصوم كما هو مقرر.

وقال في فتح المعين: (وَلَا يُفْطِرُ بوصُولِ شَيءٍ إلى بَاطنِ قَصبةِ أَنفٍ حتى يجاوزَ مُنتَهَى الخيشومِ، وَهُوَ أَقصَى الأَنفِ) اهـ، أي: فإذا جاوزَهُ بطل الصومُ.
ولفقهائنا الشافعية رأيٌّ آخرُ وهو: يشترط في الجوفِ أن تكون به قوةٌ تحيل الغذاء، وعليه لا يبطل الصوم بذلك، إلا أنـه خلاف المعتمد في المذهب، وذكره الإمامُ النووي في المنهاج بقوله: (وقيل: يشترط مع هذا أن يكون فيه – أي: الجوف – قوة تُحيل الغذاء والدواء) اهـ

وأفتت بعض دور الإفتاء – كدار الإفتاء في المملكة الأردنية نفع الله بجهودهم – أنَّ الصائم لا يُفطِرُ بتعاطي تلك المسحة حال الصيام، وبنوا ذلك على المتقرر في المذهبين المالكي والحنفي – كما يظهر من الفتوى – إذ أنَّ المذهب الحنفي يشترط استقرار الداخل في الجوف، وألا يبقى منه شيءٌ في الخارج، وهو ما لا يتوفر في مسحة كورونا.

قال في الفقه الحنفي في ثوبه الجديد (1/411): (ما يدخل إلى الجوف ولا يستقر فيه لا يفسد الصوم.. وعدم الاستقرار في الجوف يكون بأحد أمرين:

  • أولهما: أن يبقى جزءٌ من الداخل إلى الجوف خارجه.
  • ثانيهما: أن يخرج من الجوف مباشرةً بعد الدخول فيه قبل الاستقرار به، وانحلال شيء منه في الجوف، وينبني على هذا صورٌ كثيرةٌ منها: لا يفسُدُ صومُهُ إذا أدخل ميزان الحرارة في دبره بشرط: أن يكون جافًا؛ لأنَّ قسمًا منه يبقى في الخارج) اهـ.

أما المذهب المالكي، فالمتقرر عندهم أنَّ غير المائع لا يفسد الصومَ إلا وصل إلى المعدة، وفي الشرح الصغير للعلامة أحمد الدردير المالكي رحمه الله: (واحترز بالمائع عن غيره كحصاة ودرهم فوصوله للحلق لا يفسد بل للمعدة)، وقد سألتُ فضيلة الشيخ نايف آل الشيخ مبارك حفظه الله تعالى – وهو فقيه مالكي – فأفاد بأنَّ مسحةَ كورونا لا تفسِدُ الصومَ وفق مذهب المالكية.
فمن أخذ بهذا الرأي فله ذلك، ولا يجب عليه القضاء؛ لصحة تقليده، والله أعلم.

تنبيهان:

  • الأول: أنّ الذي يجري الفحص قد يدخل مقدارًا أقل من العود بحيث لا يتجاوز منتهى الخيشوم رفقًا بالمفحوص مع كونه مخالفًا للتعليمات، فلا فطر بذلك.
  • الثاني: أنَّ من تعاطى مسحة كورونا عبر الأنف جاهلًا بكونها تفسد الصوم، فلا يفسد صومُهُ حتى عند فقهائنا الشافعية.

***

المسألة (18):

ما يترتب على من أفطر بالجماع في نهار رمضان:
يترتب على من أفسد صوم يوم من رمضان بجماعٍ أَثِمَ به لأجل الصومِ ستةُ أمور:
1️⃣الإثم.
2️⃣فساد الصوم.
3️⃣وجوب الإمساك بقية اليوم؛ لحرمة الشهر.
4️⃣وجوب القضاء فورًا.
5️⃣وجوب التعزير إن لم يأتِ تائبًا، ووجوب التَّعزير هنا مستثنى من الضابط المشهور: ما فيه حدٌّ أو كفارةٌ لا تعزيرَ فيه.
6️⃣ وجوب الكفارة المغلظة، وسيأتي بيانها، وهذا بيان لمحترزات ترتُّب الكفارة المغلظة، حيث:
🟢خرج بـ(أفسد) ما لو لم يفسُدْ بالجماع؛ لوقوع الجماع حال نسيان أو إكراهٍ مثلًا فلا تجب الكفارة.
🟢وخرج بـ(صوم يوم)، ما لو جُنَّ أو مات بعد إفطاره بالجماع فلا تجب عليه الكفارة.
🟢وخرج بـ(يوم من رمضان) ما لو أفسد صوم يومٍ غير مضان كنذر أو كفارةٍ أو قضاء فلا تجب الكفارة.
🟢وخرج بـ(جماعٍ) ما لو أفسد صومه بغير الجماع، كاستمناءٍ وتعمّدِ قيء فلا تجب الكفارة.
🟢وخرج بـ(أَثِمَ به) ما لو جامع من يجوز له الفطر – كمريضٍ ومسافرٍ – ناويًا الترخص؛ إذ لا يأثمان، فلا تجب الكفارة.
🟢وخرج بـ(لأجل الصوم) ما لو أثم لغير الصوم، كما لو جامع مسافرٌ بغير نية الترخص فإنه يأثم؛ لعدم نية الترخص لا لأجل الصوم فلا تجب عليه الكفارة.

***

المسألة (19):
الكفارة المغلظة، هي:
⬅️عتق رقبةٍ مؤمنةٍ.
⬅️فإن عجز فصوم شهرين متتابعين، فإن صام من أولهما أجزأهُ ذلك ولو كانا ناقصينِ [أي: كل واحد منهما 29 يومًا]، أو من أثناء الأول كمَّل من الثالث ليكون ثلاثين يومًا، ولو أفطر – ولو بنحو سفر أو مرضٍ وَجَبَ عليه الإفطار فيه – لَزِمَهُ الاستئناف، بخلاف ما لو أفطر بما ينافي الصوم، كجنون أو إغماء فلا ينقطع التتابع.
⬅️ فإن عجز عن الصومِ لهرَمٍ أو مرضٍ أطعم ستين مسكينًا، بأن يملّكهم، فلو طبخ لهم طعامًا فغدَّاهم أو عشَّاهم لم يكفِ، ومقدار الإطعام مدٌّ لكل مسكين، والمدُّ: ربع صاع، ويعادل بالوزن: 600 جم تقريبًا، ويجب كونه من غالب قوت بلد المكفّر، كصدقة الفطر.
وتتكرر الكفارة المغلظةُ بتكرر الإفسادِ للصيام بالجماع، فلو أفسدَ كل أيام الشهر وجبت كفاراتٌ بعدد الأيامِ، بخلاف ما لو تكرر الوطءُ في يومٍ واحدٍ، فلا تتكرر الكفارة؛ لأنَّ الوطء الثاني لم يصادفْ صومًا.

***

المسألة (20):
🟢لا يجوز ولا يجزئُ دفع الكفارة إلى من تلزمُ المكفِّر نفقتُهُ.
والجواب عما ورد في الحديث: (خذْ هذا فأطعمه أهلك) من أربعة أوجهٍ، هي:
1️⃣ أنَّ إطعامه أهله من باب الصدقة، مع استقرار الكفارة في ذمته.
2️⃣ أنَّه من باب الكفارة، ويجوز إذا تطوَّعَ شخص بالتكفير عن غيره أن يطعمَ المكفِّر المتطوع أهل المكفَّر عنه إذا كانوا ستين مسكينًا، قال العلامةُ ابنُ حجر رحمه الله في التحفة (3/703): (وسوَّغ له صرفها لأهله إعلامًا بأن المكفِّر المتطوع يجوز له صرفها لممون المكفَّرِ عنهُ، وبهذا أخذ أصحابنا فقالوا: يجوز للمتطوع بالتكفير عن الغير صرف لممون المكفَّر عنه) اهـ
3️⃣ أنَّ هذا من باب الخصوصية.
4️⃣أنَّ هذا الحكم منسوخٌ.
ورُدَّ الجواب الثالث والرابع بعدم الدليل على الخصوصية أو النسخ.
تتمةٌ: ولا تسقط الكفارة بالإعسارِ بل تستقرُّ في ذمتِهِ؛ لأنَّ حقوق الله المالية إذا كانت بسبب من الشخص – كالكفارات – تستقرُّ في الذمة بالعجز، وإن لم تكن بسببٍ منه – كصدقة الفطر، وفدية العاجز عن الصوم لمرض لا يُرجَى برؤُهُ -لم تستقر.
تتمةٌ أخرى: لفظ الحديث كاملاً: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرشي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «وَمَا أَهْلَكَكَ»، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ، فَقَالَ: «هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً»، قَالَ: لا، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ» قَالَ: لا، قَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» قَالَ: لا، ثُمَّ جَلَسَ فَأُتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهَذَا»، فَقَالَ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنَّا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» متفق عليه.

***

المسألة (21):
السباحة والانغماس في الماء.
يحلو لبعض الصائمين الانغماس والسباحة، ومما ينبغي أن يُعلَم أنه إذا وصل الماء إلى جوفه أو باطن أذنه بسبب ذلك فسد صومُهُ

قال في النهاية: (لو عرف من عادته أنه يصل الماء منه إلى جوفه أو دماغه بالانغماس ولا يمكنه التحرز عنه أن يحرم الانغماس ويفطر قطعا) انتهى.

وقال في فتح المعين: (بخلاف ما إذا اغتسل منغمسا فسبق الماء إلى باطن الاذن أو الانف، فإنه يفطر، ولو في الغسل الواجب، لكراهة الانغماس كسبقِ ماء المضمضة بالمبالغة إلى الجوف مع تذكره للصوم، وعلمه بعدم مشروعيتها، بخلافه بلا مبالغة) انتهى.
فإذا كان هذا في انغماس واجب فإنّ الانغماس لغرض أدنى كتبرد أو لعب من باب أولى.

***

المسألة (22):
مما يتعلق بأحكام النية في الصيام:

نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غدٍ نفلا إن كان من شعبان، نُظر:

  • إن بان كونه من شعبان صح له النفل، إن كان ممن يجوز له صومه في ذلك اليوم، كمن له عادة.
  • وإن بان كونه من رمضان فلا يصح صومُهُ؛ لأنّ صوم رمضان واجب مضيّق لا يقبل غيره. لو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد عن رمضان إن كان منه، فتبيّن أنه من رمضان، لم يصح؛ لعدم الجزم بالنية، والأصل بقاء شعبان؛ إلا إذا قامت عنده قرينة تقوّي الظنّ أنَّ غدا من رمضان؛ كإخبار صبي رشيد له برؤيته الهلال، والمراد بكونه “رشيدا” هنا، أي: لم يُجرَّبْ عليه الكذب، حينئذ تصح النيةُ، قال في التحفة (٣/٦١٨): (ثم إن بان قبل الفجر أنه من رمضان لم يحتج لإعادتها، وإلا كان يوم شك فلا يجوز له صومه) انتهى.
    بل ويقع مجزئًا عن رمضان ولو بان أنه منه بعد الفجر. ولو نوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد إن كان من رمضان، أجزاه ذلك؛ لأنّ الأصل بقاء رمضان.

***

المسألة (23):
نية الصوم ممن ينقطع حيضها ليلا:
لو نوت الحائض ليلا قبل انقطاع دمها صوم غدٍ، نُظر:

فإن كان تمّ لها ليلا أكثر الحيض [وهو خمسة عشر يوما]، أو كان قدر عادتها لا تختلف صحّ صومُها بتلك النية؛ لابتناء نيتها على أصل صحيح.

وإن لم يتم لها أكثر الحيض، أو كانت عادتها مختلفةً، لم تصح نيتها ليلا؛ لعدم بنائها على أصل صحيح.

تتمة: يصح الصوم ممن انقطع حيضها قبل الفجر، وإن اغتسلت بعده.

***

المسألة (24):

لا بأس بالاكتحال للصائم، ولا يضر وجود طعمه في حلقه، أو لونه في نحو نخامته.

وإنما لم يضر ذلك لحصوله بتشرّب مسام جوفه.
والمسام: جمع سَم – مثلث السين – ثقوب لطيفة جداً لا تُدرَك.

وقال الإمام مالك: يفطر به الصائم.
ولذا قال العلامة ابن حجر في تحفة المحتاج (٣/٦٢٩) تبعا للحلية: (إنه خلاف الأولى).

وما رواه البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم اكتحل وهو صائم، ضعّفه الإمام النووي في المجموع.
بل قال الترمذي: (لا يصح في هذا الباب شئ).

وعليه: فقطرات العين لا تفسد الصوم.

قال السيد عمر البصري في حاشيته على التحفة: (أهل التشريح يثبتونه – أي: منفذ العين – وقد يجاب أنه لخفائه وصغره ملحق بالمسام) انتهى.

***

المسألة (25):

تكره كراهة تحريم القبلةُ للصائم بشرطين:

إذا حرّكت الشهوة، بحيث يخاف الإنزال أو الجماع.

وكان تحريكها حالا، ولذا عبر في المنهاج بقوله: (حرّكت) دون (تحرّك) التي هي عبارة الأصل، كما أفاده العلامة ابن حجر في التحفة (٣/٦٣٩).
ومحلّ كراهة التحريم: إذا كان الصوم فرضًا؛ لما في ذلك من تعريضه القوي للفساد، أما النفل فلا تحرم فيه وإن حرّكت الشهوة؛ إذ يجوز قطعه متى شاء الصائم.

فإن لم تحرك الشهوة فإنها خلاف الأولى، ولم تُكره لضعف أدائها إلى الإنزال، كما في التحفة.
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رخّص في القبلة للشيخ وهو صائم، ونهى عنها الشاب، وقال: (الشيخ يملك إربه، والشاب يفسد صومه)، أخرجه البيهقي.
والمعنى: خشية إفساد الصوم كما تقرر، فإذا لم يخش فساد الصوم جازت ولو مع الشاب، وإذا خشي ذلك حرُمت ولو من الشيخ.
ومثل القبلة فيما تقدم: كلّ لمس لشئ من البدن بلا حائل.

***

المسألة (26):
يحرم علينا الوصال بين صومينِ شرعيينِ، سواء فرضين أو نفلين، أو فرضٍ ونفل؛ لما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تواصلوا)، قالوا: إنك تواصلُ، فقال: (إني لستُ كأحدكم منكم إني أبيتُ يطعمني ربي ويسقيني).
🟢واختُلف في علة تحريم الوصال، على رأيين:
1️⃣ الضَّعف، وهو ما ذكره في المجموع، قال العلامة ابن حجر في التحفة (3/659)، وكلام الأصحاب كالصريح فيه) اهـ، لكن كلامه في المنهج القويم يدل على أنَّ العلة مركبةٌ من الضعف والخصوصية، حيث قال: (وعلةُ ذلك: الضعف مع كون ذلك – أي: الوصال – من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، ففُطم الناس عنه وإن لم يكن فيه ضعفٌ) اهـ
2️⃣ إيقاع العبادة (الصوم) في غير محلّها (الليل).
وينبني على الاختلاف في التعليل، أمورٌ منها:
هل الجماع يمنع الوصال أم لا؟
فعلى الأول [أنَّ العلة هي الضعف] فالجماع لا يمنع الوصال؛ لأنَّ الوصال إنما يزول بتناول ما شأنه أن يقوِّي الصائم، واعتمده العلامة ابن حجر.
وعلى الثاني: [أنَّ العلة هي إيقاع العبادة في غير محلّها]، فتناول أي مفطر يمنع الوصال، واعتمده العلامة الرملي.
ولا يشكل على التعليل الأول أنَّه: إذا أكل ناسيًا كثيرًا قبل الغروب حرُم عليه الوصالُ مع انتفاء الضعف، كما في بشرى الكريم (2/416)؛ لما في ذلك من التشبه بخصوصياته صلى الله عليه وسلم.
ويُؤخذ من قولهم: (بين صومين شرعيين) أنَّ الممسك – كالمفطر بلا عذرٍ – لو لم يتناول مفطرًا لا يعتبر مواصلًا؛ لأنَّه ليس مواصلًا بين صومين شرعيين، إلا أنَّ التعبير بذلك فيه جريٌّ على الغالب، كما في النهاية، والله أعلم.

***

المسألة (27):
الأيام المنهي عن الصوم فيها، هي:
🔴 يوم عيد الفطر.
🔴 يوم عيد الأضحى.
🔴 أيام التشريق، هي: ثلاثة أيامٍ بعد يوم النحر، ولو لمتمتعٍ لم يجدِ الهدي، حلافًا للقديم.
وتحريم الصيام في هذه الأيام لا فرق فيه بين موافقة عادةٍ أو لا.
🔴 النصف الأخير من شعبان؛ لحديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) أخرجه أبو داود والترمذي، إلا لقضاءِ فرضٍ أو نفلٍ، أو نذرٍ [كأن نذر صوم يومٍ فوافق يوم الشك، بخلاف ما لو نذر صوم يوم الشك فلا يصح]، أو كفارةٍ [ولو تحرَّى إيقاعَهُ في النصف الأخير من شعبان حرُم ولم ينعقد]، أو وِرْدٍ وتثبتُ العادة عنا بمرَّةٍ، أو وصله بما قبله، فلو أفطر بعد صومه المتصل بالنصف الأول امتنع عليه الصوم بعده بلا سبب، أي: لو أفطر يومًا من النصف الثاني حرُم عليه الصوم إلا بسبب مما سبق.
🔴 يوم الشك، وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدَّث الناس برؤية الهلال ولم يشهد بذلك عدلٌ عند القاضي، أو شهد من لا تقبل شهادتُهُ، فيومُ الشك يحرمُ صومُهُ لأمرين:

  • كونه من النصف الأخير من شعبان.
  • كونه يوم شكٍّ، فإن فُقِدَ سببُ كونِهِ يومَ شكٍّ حرُمَ صومُهُ لكونه من النصف الأخير فقط.
    ويوم الشك إنما يحرُمُ صومُهُ على من لم يظنَّ صِدْقَ المخبِرِ [غير عدل الشهادة]، أما من ظنَّ صدقَهُ أو اعتقده فيلزمه الصوم، ويقع عن رمضان، كما في التحفة (3/652).
    🔴 أن يصومَ في رمضان غيرَهُ، وإن أُبيح له فطر له فطرُهُ لنحو سفرٍ؛ لأنَّ رمضان واجب مضيّقٌ لا يقبل غيره.

***

المسألة (28):
🔴يتأكد للصائم صونُ لسانه عن الكذب ولو مباحًا – ككذب على زوجة – وعن غيبةٍ ونحوهما.
ومثلُ اللسان: سائرُ الجوارح، فيتأكد صونُها عن كل محرّم؛ للحديث: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) متفق عليه.
🔴والكذب والغيبة ونحوهما من المحرمات يبطل بها ثواب الصوم، وفي الحديث: (ربَّ صائم حظُه من صيامه الجوع والعطش، وربَّ قائم حظُه من قيامه السهر) أخرجه أحمد وابن ماجه، وهو حسن.
🔴بل قال الإمام الأوزعيُّ رحمه الله تعالى: يَبْطُلُ أصلُ الصوم بذلك.
🔴كما يتأكد للصائم صونُ لسانه عن الشتم – ولو بحقٍّ – فإن شتمه أحدٌ فليقل في نفسه تذكيرا لها، وبلسانه زجرا لخصمه: (إني صائم) مرتين أو ثلاثًا.
🔴ومحلُّ قول ذلك بلسانه: إذا لم يظنّ رياءً.
🔴ويستوي في صوم الفرض والنفل.

***

المسألة (29):
يحرم على المرأة أن تصوم قضاءً موسعًا أو نفلاً يتكرر كل أسبوع أو كل شهرٍ، وزوجُها حاضرٌ في البلد إلا بإذنه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحلُّ للمرأة أن تصوم وزجها شاهدٌ إلا بإذنه) متفق عليه، وزاد أبو داود: (غير رمضان).
🔴وخرج بـ(قضاءً موسعًا) ما لو كان القضاء مضيّقًا فلا يشترط فيه إذن الزوج؛ للزيادة التي في أبي داود: (غير رمضان).
🔴وخرج بـ(نفلاً يتكرر كل أسبوعٍ أو شهرٍ) ما يتكرر كلَّ سنةٍ – كعرفة وعاشوراء – فيشترط: عدم منعه فقط لا إذنه؛ لأنهما نادران في السنة.
🔴وخرج بـ(زوجها حاضرٌ)، ما لو كان غائبًا، فلا يحرم عليها ذلك بلا خلاف، وكذلك لو قام به مانعٌ كإحرامٍ أو اعتكافٍ، فوجوده حينئذٍ بحكم العدم، وكذلك لو قام بها مانعٌ من رتقٍ أو قرن.
🔴وأفهم (حاضرٌ في البلد)، أنَّه يحرم عليها مع حضوره فيه مطلقًا، أي: وإن جرت عادتُهُ أنه يغيب عنها من أول النهار إلى آخره؛ إذ قد يطرأ له قضاء وطره في بعض الأوقات على خلاف عادته.
🔴ومع التحريم لو صامت صحَّ صومُها، ولزوجها وطؤها، وعليها الإثمُ.

***

المسألة (30):
🔴من تلبَّس بصوم تطوعٍ – ولو مؤكدًا كعرفة وعاشوراء – فله قطعه؛ لحديث: (الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء أفطر)، أخرجه الترمذي.
وقوله تعالى: (فلا تبطلوا أعمالكم) فمحله: في الفرض.
لكن يكره قطعه من غير عُذر، ويترتب على الكراهة: عدمُ الثواب على القدر الماضي منه، بخلاف ما لو قطعه لعذرٍ – كأكلٍ مع ضيفٍ – فلا يكره، بل يُسنُّ ويثاب عليه.
ويستحب قضاء صوم التطوع إذا قطعه، خروجًا من خلاف من أوجبه.
🔴ومن تلبّس بصومٍ واجبٍ أداءً أو قضاءً حرُم عليه قطعُهُ، سواء كان القضاء على الفور كمن تعدَّى بفطره، أو لم يكن على الفور، كمن أفطر لمرضٍ أو سفر.

***

المسألة (31):
🔴من سنن الصيام: تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس، ولو كان مارًا في الطريق فلا تنخرم المروءة بذلك؛ لحديث: (لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر) متفق عليه.
🔴قال الحافظ ابن عبد البر: (والأحاديث في تعجيل الفطر متواترةٌ).
🔴الأفضل أن يفطر قبل صلاة المغرب، لحديث: (كان صلى الله عليه وسلم لا يصلي إذا كان صائمًا حتى يُؤتى برطبٍ وماءٍ فيأكل) أخرجه البيهقي، قال في فتح المعين: (وسُنَّ.. تقديمُهُ عَلَى الصَّلاةِ، إِن لَم يَخْشَ من تعجيلِهِ فَوَاتَ الجَمَاعةِ أَو تكبيرةِ الإحرامِ) اهـ
🔴ولتعجيل الفطر ثلاثة أحوال:
الأول: الاستحباب، إذا تحقق غروب الشمس بمشاهدةٍ مثلاً، كما مرَّ.
الثاني: الإباحة، بأن ظنَّ غروب الشمس بالاجتهاد.
الثالث: التحريم، بأن شكَّ في غروب الشمس أو ظنَّه غير اجتهاد؛ لأنَّ الأصل بقاء النهار.

***

المسألة (32):
🔴يُسنُّ الإفطارُ على رُطَبٍ فتمرٍ فبُسرٍ فمَاءٍ – وكونه ماء زمزم أولى- فحلوٍ فحلوى.
والبُسْر: ثمرُ النخل الأصفر قبل أن يرطب بالكلية، والحلو: ما لم تمسه النار كالزبيب، والحلوى ما عُمِلَتْ بالنار.
قال الناظم:
فمن رطبٍ فالبُسر فالتمر زمزمُ … فماءٌ فحلوٌ ثم حلوى لك الفطر
إلا أنَّه قدَّم البُسر على التمر.
🔴وقد يعرض ما يستدعي تقديم الماء على التمر، في صورٍ منها:

  • لو تعارض التعجيل على ماءٍ والتأخير على التمر، قدَّم التعجيل على الماء؛ لأنَّ مصلحة التعجيل فيها خصلةٌ تعود على الناس، أشار إليها حديث: (لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر).
  • لو كان التمر فيه شبهةٌ قوية، والماءُ فيه شبهةٌ أضعفُ، قُدِّم الماءُ.
    🔴ذكر الفقهاء أنَّ الحكمة في البدء في التمر أنه لم يمسه نار مع إزالته ضعف البصر الحاصل من الصوم؛ لإزالته فضلات المعدة، ولأنه يغذي الأعضاء الرئيسية، والله أعلم.
    🔴تتمةٌ: قال في التحفة (3/656): (لا شيء بعد التمر غيرُ الماءِ، فقولُ الروياني: (إن فُقِدَ التمرُ فحلوٌ آخرُ) ضعيفٌ.

***

المسألة (33):
🔴قال في التحفة: (وحكمة تقديم التمر: أنَّه لم تمسه نارٌ، مع إزالته لضعف البصر الحاصل من الصومِ؛ لإخراجه فضلات المعدةِ إن كانت، وإن لم تكن فتغذيته للأعضاء الرئيسة كالقلب والكبد) اهـ بتوضيح.
🔴قال الخطيب في مغني المحتاج: (فإن قيل: قد صرَّح الأطباء بأنَّ أكل التمر يضعف البصرَ فكيف يعلل بأنَّه يردُهُ؟ أجيب: بأنَّ كثيرَهُ يضعفُهُ وقليلَهُ يقويهِ، والشيءُ قد ينفعُ قليلُهُ ويضرُّ كثيرُهُ) اهـ
🔴ويسنّ كون الإفطار على وترٍ، وفي الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلى على رطبات، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء).
🔴والتثليثُ شرطٌ لكمال السُنَّةِ لا لحصول أصلها، وهو مطلوبٌ في التمر وكلِّ ما يفطر به فيسنُّ فيه التثليث.

المسألة (34):

يُسنُّ أن يقول بعد فطره: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى)، رواه أبو داود والنسائي، وهو حسن، ويقول: (اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت)، رواه أبو داود أيضًا وهو مرسل، وله شواهد.

وقوله: (لك صمتُ) قدّم الجار والمجرور لإفادة الإخلاص.

وقوله: (وعلى رزقك أفطرتُ) أي: بمحض فضلك، لا بحولي ولا بقوتي.

قال بعض العلماء: (وإنما قال: (ذهب الظمأ)، ولم يقل: (ذهب الجوع)؛ لأنّ أرض الحجاز حارة فكانوا يصبرون على قلة الطعام لا العطش) اهـ

ومعنى ثبوت الأجر: أن يتقبل الله الصوم ويجازي عليه، والله أعلم.

المسألة (35):

يستحب تفطير الصائمين –في رمضان وغيره– لما أخرجه أحمد والترمذي مرفوعًا: (من فطَّر صائمًا فله مثله أجره، ولا ينقص من أجر الصائم شيءٌ).

قال العلامة ابن حجر في الفتاوى الفقهية (2/88): (الصائم لو لم يحصل له ثواب على صومه لارتكابه فيه ما يبطل الثواب كالغيبة وقول الزور كما صح في الخبر لم يحصل للمفطر ثواب كما اقتضاه ما يأتي في الأحاديث كان له مثل أجره، فحيث لا أجر له لا ثواب لمفطره ويحتمل أن المراد له مثل أجر عمله لو فرض له أجر فيؤجر المفطر وإن لم يؤجر الصائم) اهـ 

قال الترمسي في حاشيته (5/637): (وهذا هو اللائق بسعة الفضل؛ إذ لا تقصير) اهـ

ولتفطير الصائم مرتبتان:

– الأولى: أن يكون على نحو تمرٍ وشربة ماءٍ.

– والأكمل: أن يشبعهم، وفي الحديث: (من أشبع صائمًا سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة) أخرجه البيهقي في الشعب.

ويسنُّ للمفطِّر أن يأمل مع الصائمين الذين فطَّرهم؛ لأنَّه أليقُ بالتواضع وأبلغ في جبر قلوبهم.

ويسنُّ لمن أفطر عند غيره أن يدعو له، وفي الحديث: (أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلّت عليكم الملائكة)، وهو خبر بمعنى الدعاء. 

المسألة (36):

يستحبُّ السُّحور – وهو بضم السين: الأكل في السحر، وبفتحها: المأكول – لأحاديث واردة في الترغيب فيه، كحديث: (تسحروا فإنَّ في السحور بركة)، ومن وجوه البركة: أنَّ فيه أجرًا لاتباع السنة، وتقويةً للبدن، وتنشيطًا على الصوم، ومخالفةً لأهل الكتاب.

قال في التحفة (3/658): (وحكمتُهُ: التقوي، أو مخالفة أهل الكتاب؟ وجهان، والذي يتجه أنها في حقِّ من يتقوَّى به التقوي، وفي حقِّ غيره مخالفتُهم، وبه يُرَدُّ قول جمعٍ متقدمينَ: إنما يُسَنُّ لم يرجو نفعُهُ، ولعلهم لم يروا حديث: (تسحروا، ولو بجرعة ماءٍ)، فإنَّ من الواضح أنه لم يذكر هذه الغاية للنفع، بل لبيان أقل مجزئٍ، نفع أو لا) اهـ 

ويدخل وقتُهُ: بنصف الليل، ويسنُّ تأخيره ما لم يقع في شك في طلوع الفجر، فإن تردد في طلوع الفجر فالأولى تركه؛ لحديث: (دعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك).

وإذا أكل ظانًا بقاء الليل ثم تبين أنه أكل بعد الفجر، لزمه الإمساك لحرمة اليوم، وعليه القضاء؛ إذ لا عبرة بالظنّ إذا تبيّن خطؤه، والله أعلم.

المسألة (37):

يُسنُّ كون السحور على تمرٍ؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا: (نِعمَ سحور المؤمن التمر) أخرجه أبو داود وابن حبان.

ويحصلُ أصلُ سنتِهِ ولو بجرعة ماءٍ – كما مرَّ في الحديث – 

وفي حاشية البجيرمي على الخطيب (2/383) ما نصه: (فإن قلت: حكمة مشروعية الصوم خلو الجوف لإذلال النفس وكفها عن شهواتها والسحور ينافي ذلك؟

قلت: لا ينافيه بل فيه إقامة السنة بنحو قليل مأكول ومشروب، والمنافي إنما هو ما يفعله المترفهون من أنواع ذلك وتحسينه والامتلاء منه اهـ علقمي.

وفي العهود للشعراني: أخذ علينا العهود ألا نشبع الشبع الكامل قط لا سيما في ليالي رمضان، فإن الأولى النقص فيها عن مقدار ما كنا نأكله في غيرها؛ وذلك لأنه شهر الجوع، ومن شبع في عشائه وسحوره فكأنه لم يصم رمضان، وحكمه حكم المفطر من حيث الأثر المشروع له الصوم وهو إضعاف الشهوة المضيقة لمجاري الشيطان في البدن، وهذا الأمر بعيد على من شبع من اللحم والمرق اللهم إلا أن تكون امرأة مرضعة أو شخصا يتعاطى في النهار الأعمال الشاقة فإن ذلك لا يضره إن شاء الله تعالى) اهـ

أضف تعليق